كن الساحة الليبرالية عرفت أصواتاً متطرفة، تدعو إلى رفض الانتقاء في عملية التواصل الحضاري مع الغرب، بل وإلى رفض فكرة التوفيق بين ما لدينا وما عندهم، فهذا محمود عزمي يقول: "أنا من الذين ينادون بملء فيهم بضرورة الأخذ من المدنية العصرية، وهي الحضارة الغالبة وبأن الخير كل الخير في شخوص الكتلة الشرقية المتكلمة لغة عربية( )، إلى شواطئ البحر المتوسط الشمالية الغربية، وبأن كل نظرة إلى رمال التيه والبادية إنما تكون نكوصاً على الأعقاب في ميدان الجهاد، الذي يسير فيه العالم سيراً هائل السرعة إلى الأمام"( ) !!
هذه الدعوة إلى القطيعة مع الذات، والفناء في الآخر، يتبناها "عميد الأدب العربي ! " في كتابه "مستقبل الثقافة في مصر" الصادر عام 1937م، فقد حدد هوية مصر الثقافية على أنها جزء من ثقافة البحر المتوسط، وأنها جزء من "الغرب الثقافي"، وليست من "الشرق الثقافي"( )، وأن العقل المصري جزء من أسرة الشعوب التي عاشت حول بحر الروم( ).
والخلاصة –عنده- "إنما كانت مصر دائماً جزءاً من أوروبا في كل ما يتصل بالحياة العقلية والثقافية، على اختلاف فروعها وألوانها"( ).
وهذا "التغريب" يجري تسويقه من قبل د. طه حسين، بالقول أنه وسيلة وليس غاية، وسيلة للنهوض ولتحقيق الحرية والاستقلال، باتباع الوسائل التي أوصلت الغربيين لتحقيق الاستقلال والكرامة( )، كما يجري تسويقه بتلميع حضارة الغرب، والتأكيد على تفوقها "ودليل ذلك أنها ترتقي"( )، كما يسعى إلى بث الطمأنينة في النفوس المتخوفة من مخاطر الاغتراب الثقافي والاقتلاع من الجذور، فيشير إلى "التجربة اليابانية". وعليه فلا خوف على "الشخصية المصرية" إذ لم يكن على الشخصية اليابانية خطر من الحضارة الحديثة"( ).
إذاً ما هو المطلوب؟ المطلوب "أن نسير سيرة الأوروبيين ونسلك طريقهم لنكون لهم أنداداً، ولنكون لهم شركاء في الحضارة خيرها وشرها، حلوها ومرّها، وما يحب منها وما يكره وما يُحمد وما يُعاب"( ) فالمطلوب هو التبعية على أساس الندّية!!، لكنه لا يوضح لنا كيف تكون التبعية طريقاً للندية؟ أو كيف تؤسس الندية على ركام التبعية؟ مع أنه يقول صراحة: "نريد أن نتصل بأوروبا اتصالاً يزداد قوة من يوم إلى يوم، حتى نصبح جزءاً منها لفظاً ومعنى وحقيقة وشكلاً"( ).
وكان قد جرى "تسويق" التغريب، بأنه يعفينا من الصدام الحضاري مع الغرب، يقول أحدهم على صفحات "المقتطف"؛ "نحن من الذين يعتقدون أن الحضارة الغربية خير الحضارات التي يتعين علينا اقتباسها، كما أننا من الذين ينظرون إلى الأمر الواقع فيرون أنها هي الحضارة السائدة في العالم، ونحن من الذين يعتقدون أن طريق نجاتنا في مسالمة هذه الحضارة وتكييف حضارتنا عليها تكييفاً لا يناقضها بل يماشيها.. ذلك أن التاريخ يقص علينا قصص اصطدام الشرق بالغرب منذ العصور الأولى حتى الساعة ، فما قص إلا حديث اصطدام كانت نهايته انهزام الشرق أمام الغرب، فالعاقل من اعتبر وعرف أن يتلمس طريقاً غير طريق جربه فقاده إلى مواطن الخطر"( )!! وبعيداً عن سعيه للتبرير التاريخي للتغريب، فإن الدعوة إلى تجنب الصدام الحضاري هي دعوة ليست إلى الحوار الحضاري الذي لا يرفضه عاقل، لكنها دعوة إلى حوار التبعية وليس الندّية.
وفي عقد الثلاثينيات ظهرت في مصر موجة من المراجعات الفكرية في صفوف التيار الليبرالي، طالت عدداً من أبرز رموزه، كان من مظاهرها توجيه نقد لاذع لحضارة الغرب ولحركة التغريب.
وفي طليعة "المراجعين" هؤلاء كان د. هيكل، الذي عبّر عن قناعته بأن الغرب غير مخلص لقضية "الحرية"، وأن قضيته هي "الاستعمار"، ويشير إلى سياسات التعليم التي اتبعتها بريطانيا في مصر كمؤشر على حقيقة نوايا الغرب، فلم تهدف إلى شيء سوى تخريج مواطنين مطواعين، كما أنها وقفت حائلاً دون سرعة انتشار العلم الصحيح.
ويشير إلى أن أوروبا لم تتخلّص من التعصّب الديني ؛ فهي ما زالت تذكر الحروب الصليبية، وهي تحمي الجماعات التبشيرية، كما يعجب لتعزز الروح الصليبية في الغرب، "وأن الأمر لم يقف عند الكنيسة بل تعداها إلى كتّاب وفلاسفة في أوروبا وفي أمريكا.. في عصر يزعمون أنه عصر النور والعلم، وأنه لذلك عصر التسامح وسعة الأفق"( ).
ويعيب د. هيكل على الغرب ماديّته، كما يعيب على الشرقيين تقليده في هذه المادية( )، وقد عبّر العقاد، ود. منصور فهمي عن قناعات مماثلة( ).
- وقد شارك توفيق الحكيم في التعبير عن خيبة أمل مثيلة، بفشل التغريب في مصر، ففي روايته "يوميات نائب في الأرياف" الصادرة عام 1937م، تعبير عن ضرورة إعادة النظر في جدوى التغريب، ومدى صلاحيته لتحضير الجماهير الريفية في قرى مصر، وتساؤل عن مدى صلاحية "تشريع بونابرت" للتطبيق في أرياف مصر، فهو يقف موقف النقد العنيف.. وربما السخرية من هذه القوانين، التي يسعى الآخرون لتطبيقها في مصر ؛ حيث يسكن في القاهرة طبقة (علمانية) ومثالية تحاول الأخذ بحضارة الغرب بينما يسكن في مصر الريف طبقات "واقعية" وفلاحين تحاول الارتباط أكثر بالتراث( )، لكن "البوح" أو "الاعترافات" التي قدمها د. هيكل في عام 1936م. تختصر الكثير من الكلام في تصوير درجة خيبة الأمل التي جناها دعاة التغريب، إذ يقول:
"وقد حاولت أن أنقل لأبناء لغتي ثقافة الغرب المعنوية وحياته الروحية لنتخذها جميعاً هدىً ونبراساً، ولكني أدركت بعد لأي أنني أضع البذر في غير منبته، فإذا الأرض تهضمه ثم لا تتمخض عنه ولا تبعث الحياة فيه، وانقلبت ألتمس في تاريخنا البعيد في عهد الفراعنة موئلاً لوحي هذا العصر ينشأ فيه نشأة جديدة، فإذا الزمن، وإذا الركود العقلي قد قطعا ما بيننا وبين ذلك العهد من سبب قد يصلح بذراً لنهضة جديدة، فرأيت أن تاريخنا الإسلامي هو وحده البذر الذي ينبت ويُثمر، ففيه حياة تحرك النفوس وتجعلها تهتز وتربو"( ).
والدكتور هيكل ضمن سلسلة اعتذاراته الروحية والفكرية، كان قد حلل ظاهرة عزوف الشباب المسلم المتعلم عن الدين، فيعيد السبب إلى ظاهرة الطعن فيمن يسميهم المصلحين والعلماء المسلمين الذين حاولوا النهوض بالأمة!! والرد على مزاعم الغرب وتخرصاته ضد الإسلام، فكان مصير أولئك العلماء وفي مقدمتهم الشيخ محمد عبده أن "اتهموا بالإلحاد والكفر والزندقة، فأضعف ذلك من حجتهم أمام خصوم الإسلام !!
ولقد كان اتهامهم هذا عميق الأثر في نفوس شباب المسلمين المتعلمين، شعر هؤلاء الشبان بأن الزندقة تقابل حكم العقل ونظام المنطق في نظر جماعة من علماء المسلمين، وأن الإلحاد عندهم قرين الاجتهاد، كما أن الإيمان قرين الجمود، لذلك جزعت نفوسهم وانصرفوا يقرعون كتب الغرب يتلمّسون فيها الحقيقة، اقتناعاً منهم بأنهم لن يجدوها في كتب المسلمين. لذلك انصرفت نفوسهم عن التفكير في الأديان كلها وفي الرسالة الإسلامية وصاحبها، حرصاً منهم على ألا تثور بينهم وبين الجمود حرب لا ثقة لهم بالانتصار فيها، ولأنهم لم يدركوا ضرورة الاتصال الروحي بين الإنسان وعوالم الكون اتصالاً يرتفع به الإنسان إلى أرقى مراتب الكمال وتتضاعف به قوته المعنوية"( ).
قضية المرأة:
انشغل الفكر الليبرالي في مصر بقضية المرأة، كأحد المحاور الرئيسية في مشروعه من أجل التنوير والنهضة والتقدم، والمرجعية الفكرية هي الثقافة الأوروبية، أما النموذج فهي المرأة الأوروبية. وهناك محاولة للإفادة من جهود السابقين والبناء عليها( )، خاصة جهود قاسم أمين( ).
لقد أبدى الليبراليون طوال فترة الدراسة احتراماً وإجلالاً لجهود قاسم أمين، ليس كمدافع عن المرأة فقط، بل كمصلح اجتماعي وقف حياته للدفاع عن "حرية الفكر ، وحرية المرأة !! " بإسهامه في تأسيس الجماعة 1908م، وفي دفاعه عن قضية المرأة( ).
وتابع الليبراليون السير على خطى قاسم أمين في موقفهم من قضية المرأة، وساهمت الصحافة الليبرالية في دعم قضية المرأة( )، وفي دعم الحركة النسائية، وفي تثقيف المرأة بما ينبغي أن تطالب به من حقوق، وبما ينبغي أن تفعله لتحصيل هذه الحقوق، وفقاً للمرجعية الأوروبية، واقتفاء لنموذج المرأة الأوروبية( ).
واهتمت الصحافة بنشر المقالات والصور التي تخدم فكرة وجوب تقليد المرأة المصرية للمرأة الغربية في السلوك، والعادات، والأزياء، ومسابقات الجمال، والرياضة النسائية، وتولّت الصحافة النسائية جانباً هاماً من هذا الجهد.
وبرزت الحركة النسائية، وتعاظم دورها في المطالبة بحقوق المرأة المصرية، ووضعت قضية المرأة المصرية في إطار قضية المرأة في العالم، وحاولت الحركة النسائية المصرية أن تصبح جزءاً من الحركة النسائية العالمية، وتتبنى المفاهيم والمعايير الأوروبية في معالجة قضايا المرأة، وإن كان هذا التبني يجري بأسلوب تدريجي بطيء( ).
وبرزت في هذا المجال أسماء نسائية شهيرة مثل، ملك حفني ناصف (باحثة البادية) وصفية زغلول، وهدى شعراوي، وسيزا نبراوي، ومنيرة ثابت، وميّ زيادة، ونبوية موسى، ولبيبة أحمد (انضمت فيما بعد لجماعة الإخوان المسلمين) ( ).
ويحرص الليبراليون في هذه المرحلة على مراقبة الحركة النسائية في تركيا، ومتابعة التجربة التركية في هذا الميدان إعجاباً وتقديراً وتطلعاً للتقليد( ).
1-الدعوة إلى "السفور" ومقاومة "الحجاب":
شغلت الدعوة إلى السفور وخلّع الحجاب، الجزء الأكبر من اهتمام التيار الليبرالي بقضية المرأة، منذ كتب الطهطاوي بكثير من التسامح عن السفور والاختلاط، الذي تتمتع به المرأة الباريسية، وباعتبار السفور والاختلاط ليس نقيضاً لعفة النساء( ).
- وقد أبرز علي مبارك في روايته "علم الدين" هذه المسألة بأسلوب حواري بين المستشرق المدافع عن السفور وبين الشيخ الأزهري المدافع عن الحجاب، ويرى د. محمد عمارة "أن صورة المرأة الأوروبية المتحررة كما عرضها، كانت مشرقة، بقدر ما كانت "حجج" الشيخ علم الدين باعثة على النفور!" ( ).
- وتابعه قاسم أمين في اعتبار التربية وليس الحجاب هي التي يُعوّل عليها في الأخلاق والعفة، إذ أن "العفَّة ملكة في النفس لا ثوب يختفي دونه الجسم"( )، ومع ذلك فهو لم يتجاوز – مؤقتًا - المطالبة بكشف الوجه واليدين( )، مع إبطال ارتداء النساء النقاب أو البرقع !
وقد أطنب في تعداد مساوئ "الحجاب" ، وشرح أضراره( )، مؤكداً أنه لا يمنع الفساد( )، وأنه من بقايا "هيئتنا الاجتماعية الماضية"، ولأنه ضار فلا يمكن أن يكون شرعياً( )، كما عده منافياً للحرية الإنسانية، لأنه يعيق المرأة عن ممارسة حقوقها( )، ونادى بالاختلاط دون خلوة( ).
هذه هي القاعدة التي تأسس عليها الخطاب الليبرالي في مسألة السفور والحجاب، ووقف عندها إلى حين( ).
وظل "الخطاب السفوري" –إن جاز التعبير- يتطور بشكل تدريجي لجهة التغريب، وتبني المعايير الأوروبية في هذا الميدان. لقد قدّم "عبدالحميد حمدي" رئيس تحرير مجلة "السفور"، رؤية جماعة السفور، أو أيديولوجيا السفور بحسب ما تفهمه فئة هامة في التيار الليبرالي، ولم يخرج فيها عن الحديث عن احترام أحكام الدين !! وأن المطلوب إنما هو الانتفاع "بأحكام الدين الخالصة في تحرير المرأة من ربقة العادات الفاسدة" !!
إذاً المطلوب هو إعادة نظر وإعادة تفسير وصولاً إلى فهم جديد لأحكام الدين، كما يُقدّم رؤيته لمفهوم "السفور" اجتماعياً، فهو يعني "ظهور المرأة في مكانتها اللائقة في الحياة باعتبارها مخلوقة لها حقوق طبيعية يجب أن تحصل عليها ولها وظيفة كبيرة يجب أن تؤديها"( ).
ويجري التركيز في "الخطاب السفوري" على إبراز مثالب الحجاب، وفضائل السفور، ودعوة النساء للثورة على الحجاب ، فهو يولد سوء الظن بين الرجل والمرأة( )، وهو يجني على الأدب والفن، لأن الشاعر والفنان "لا يجد الكائن الجميل الذي يصوّره، أو هو لا يشعر به في الناحية الاجتماعية"( )، وهناك دعوة يوجهها علي عبدالرازق إلى المبادرة العملية، ومن خلال الممارسة للتخلص من الحجاب، "فلقد علّمتنا التجربة في مصر أن السفور كبعض مسائل الحياة الأخرى، إنما يكون حلّه عن طريق العمل لا من طريق البحث والجدل"، فهو يدعو إلى العمل وعدم الاكتفاء بالجدل، "إننا قد أصبحنا نعتقد أن من الواجب علينا أن نحول بين الجدل وخصوصاً الديني، وبين شؤون الحياة الاجتماعية العملية، بقدر ما يجب أن نحول بين حركة النهوض في الشرق، وبين كل ما يعوق ذلك النهوض"، وهو يعتقد بأن مصر اجتازت طور البحث النظري في مسألة السفور والحجاب إلى طور العمل والتنفيذ، لكن المشكلة –في نظره- التي تواجه المصريين اليوم "إنما هي الوسيلة التي يتدرجون بها إلى السفور الفعلي، تدرجاً لا يكون فيه منافرة بين ذوق الحجاب القديم، وذوق السفور الجديد"( ) !!
وإذا كان "الخطاب السفوري" يقدم صورة منفّرة للحجاب ولوضع المرأة "المحجبة"؛ فإنه أفرد صفحات واسعة من الصحافة الليبرالية، لتعريف المرأة المصرية بأنماط جديدة من السفور التغريبي، في الأزياء، والسلوك ، والعادات( ).
وفي هذه البيئة الفكرية تنامت الدعوة إلى تحطيم كل الحواجز والحجب أمام الاندماج الكامل للمرأة في الحياة الاجتماعية، لكننا لا نعدم أصواتاً تنادي برأي أخف في هذه المسألة( ).
وهناك من ينادي بضرورة الاستفادة من تجربة الاختلاط في الغرب، ويزعم أنها لم تهدد الأخلاق العامة، بل إنها زادت في متانة أخلاق الشباب، وقلّلت من النظر إلى المرأة بوصفها جسداً !! ومن باب "موضوعة الجنس" فقط، بل إن الفصل بين الجنسين هو ادعى إلى إثارة الشهوات، وفيه الكثير من سوء الظن بأخلاق المرأة والرجل( ) !!
ويخرج د. محمود عزمي على الناس ليعلن أن "الاختلاط الصريح" بين الجنسين له من الأهمية ما لتحقيق "التعادل الفكري" بين الرجال والنساء من أهمية، لذلك فإنه لا إمكانية "لإصلاح صحيح للجماعة الشرقية إلا إذا توافر فيها هذان العاملان توافراً شاملاً جريئاً"( )!!
لقد أصبح "السفور" مجرد وسيلة للوصول إلى نشوء المجتمع المختلط "الذي يُقرّب مسافة الخلف بين الجنسين، ويُقيم علاقات بين الرجل والمرأة على قاعدة التفاهم الفكري والعاطفي"، لذلك يأسف البعض على "أننا لم نخطُ بعد الخطوة الحاسمة في سبيل تطبيق روح الحضارة العصرية على عاداتنا وأخلاقنا وأساليب حياتنا"( ).
من الواضح أن الخطاب الليبرالي في هذه المسألة قد تابع قاسم أمين في أفكاره، فضمّ أصواتاً "توفيقية"، لكنه بدأ يعرف أصواتاً تنادي بالاختلاط الصريح والكامل.
ويظهر أن البعض بدأ يعوّل على "الموقف" العملي وليس مجرد "التنظير" الفكري للمسألة، والمناخ العام أصبح في صالح السلوك السفوري، واستمر الهجوم على الحجاب والحجب، كما جرى الربط بين السفور، والتقدم، واعتبار الحجاب سلوكاً متخلفاً يتنافى مع التقدم والمدينة، ويعطّل قدرات المرأة، وفي موازاة ذلك هناك جهود إعلامية كبيرة لإشاعة ثقافة السفور على الطريقة الغربية الخالصة.
2-الدعوة إلى التعليم والعمل والحقوق السياسية للمرأة:
لم تكن مسألة حق المرأة في التعليم موطن جدل كبير في الفكر العربي الحديث، فقد كان هناك شبه إجماع على حقها في التعليم من حيث المبدأ، أما الخلاف الذي ظهر فهو حول المستوى والنوعية، وجاء هذا الاختلاف مرتبطاً بطبيعة الموقف من مشاركة المرأة في الحياة العامة، ودرجات هذه المشاركة ونوعيتها.
لقد دافع الطهطاوي عن حقها في التعليم، وخصص كتاباً للدعوة لتعليم البنات والبنين( )، وتابعه علي مبارك "أبو التعليم" في مصر، بالتأكيد على إيمانه بقدرات المرأة العقلية والفكرية، هذا من الناحية الفكرية المجردة.
أما من الناحية العملية فقد عبّر عن هذه الرؤية من خلال الممارسة عندما تولى نظارة المعارف( ).
أما قاسم أمين فقد تدّرج في موقفه من مسألة تعليم المرأة، ففي "تحرير المرأة" طالب بحقها في الحصول على "التعليم الابتدائي على الأقل حتى يكون لها إلمام بمبادئ العلوم"( )، مؤكداً على أنه ليس ممن يطلبون "المساواة بين المرأة والرجل في التعليم، فذلك غير ضروري، وإنما أطلب الآن ولا أتردد في الطلب أن توجد هذه المساواة في التعليم الابتدائي على الأقل"( )، إذاً هو يكتفي الآن بالتعليم الابتدائي، لذلك نجده يطوّر موقفه هذا في كتابه "المرأة الجديدة" ليطالب بالمساواة التامة في التعليم، فيقول: "لا نجد من الصواب أن تنقص تربية المراة عن تربية الرجل" سواءً التربية الجسمية أو الأدبية أو العقلية( )، بل وينادي بمنحها الحق في التعليم المستمر عبر الانخراط في الحياة العامة( ).
لقد بلغ قاسم أمين الذروة في مطالبه، فلم يدع لمن يأتون بعده شيئاً يطالبون به في مستوى التعليم المنشود للمرأة، فبقي التيار الليبرالي يؤكد على فكرة المساواة التامة في التعليم بين المرأة والرجل، وراح يمارس تأكيد هذه الرؤية عبر الفكر والممارسة.
ومن المعلوم درجة ما تمتع به الليبراليون من قدرة على صنع القرار، وتنفيذه عبر وجودهم القوي في السلطتين التشريعية والتنفيذية.
وقد عوّل الليبراليون كثيراً على التربية والتعليم كوسيلة للنهوض بالمرأة، فهذا صوت نسائي عبر مجلة "السفور" يؤكد أن "التعويل ينصب على التربية والتعليم أولاً، إذ هي الوسيلة الفعّالة للنهوض بالمرأة وتصحيح أحوالها"( )، والحركة النسائية المصرية أكّدت عبر مسيرتها على مطلب التعليم، فبرنامج الاتحاد النسائي يطالب بـ"مساواة الجنسين في التعليم"، ويطالب بـ"فتح أبواب التعليم العالي للفتيات، والإكثار من المدارس الثانوية للبنات"( ).
لكن التيار الليبرالي وفقاً لمرجعيته الفكرية، ورؤيته لدور المرأة في المجتمع، تبنى الدعوة للتعليم المختلط، واجتهد رموزه في الترويج له، وإبراز فضائله وإيجابياته.
والأصوات الليبرالية المعتدلة، تنأى بنفسها عن حملة الترويج للاختلاط الكامل في جميع مراحل التعليم، وفي مقدمة هؤلاء يبرز د. منصور فهمي، الذي يخلص إلى تأييد وجهة النظر القائلة بتخصيص بعض أنواع التعليم للإناث، وبعضها الآخر للذكور، بما يتوافق مع طبيعة كل جنس واحتياجاته، ورفض ما كان يروّج له البعض من أن الاختلاط يضعف الميول الجنسية لدى الجنسين، فيقول: "إن ضرر الإفراط في عزل الجنسين لا يبرر الإفراط في نقيضه من المبالغة في جمع الجنسين في جميع أدوار التعليم، وكما أن الإفراط في العزل والتضييق في وسائل الخُلطة قد يترتب عنهما انحراف، فقد يترتب كذلك أسلوب من الانحراف عند الغلو في توفير الخُلطة"، ومن هنا فهو لا يمانع في أن يكون التعليم الأولي مختلطاً، لكنه يعارض الاختلاط في التعليم الابتدائي العالي والثانوي، ويبرر ذلك بطبيعة المرحلة العمرية، وما ينجم عن الاختلاط بين الجنسين خلالها من أضرار خُلُقية ونفسية وعلمية، وهو لا يمانع في الاختلاط في التعليم العالي في المعاهد والجامعات معتمداً على مشاهداته في أوروبا وفي مصر، إذ أن "الطالب أو الطالبة في دور العلم العالية يقدرون ما يترتب على كل عمل من أعمالهم من التبعات الخلقية ويعلمون طريق الخير وطريق الشر، ويفهمون معنى الفضيلة، ومعنى الرذيلة، ولهم من حُسن تربيتهم فيما مضى، ومن سلطانهم على أنفسهم، وحسن أخلاقهم، ما يُزيل أي سوء للخلطة ويجرّ إلى خيرها"( ) !!
لكن التيار الليبرالي ظل مؤمناً بأهمية الاختلاط ومحاسنه( )، وتبنى بعض المحسوبين عليه، الدعوة إلى المفاهيم الغربية في ميدان التربية والتعليم تبنياً كاملاً غير منقوص، فهذا د. أمير بُقْطر( ) يدافع عن الاختلاط الكامل وفي جميع المراحل الدراسية، ويهوّن من المخاطر المفترضة، ويتمنى أن تسير مصر في هذا، كما سارت أوروبا "إننا في حركتنا الأخيرة، وما اقتبسناه من أساليب المدنية الغربية نقطع عين المراحل التي قطعها سوانا، واحدة واحدة، ونواجه عين العقبات، واحدة واحدة"( )، ويطالب بالانفتاح على التجارب الحديثة في مجال التربية والتعليم في أوروبا وأمريكا، ويعرض نماذج من التعليم في الغرب، تؤكد على محاسن التعليم المختلط وثبوت انعدام مخاطره حتى في بعض الحالات التي طبق فيها الاختلاط حتى في الأقسام الداخلية، وفي غرف النوم من سن الثانية إلى سن الثامنة عشرة( )!!
ولما كان التيار الليبرالي قد اعتنى بالحديث عن حق المرأة في التعليم، فإنه بتطور الحياة، وانتشار التعليم، وتزايد أعداد الخريجات، بدأ الحديث عن حق المرأة في العمل، يأخذ بعداً أوضح في الخطاب الليبرالي.
هذا ولم يكن الالتفات إلى حق المرأة في العمل وليد هذه المرحلة، بل كان الطهطاوي( )، وقاسم أمين( ) وغيرهم كثير من المفكرين قد أشاروا لهذه المسألة، من باب إقرار مبدأ حقها في العمل خارج المنـزل.
وإذا كان العقاد يؤكد على ضرورة إعفاء المرأة من العمل خارج المنـزل، وأن هذا حق من حقوقها على المجتمع، لتتفرغ لمهمتها الأساسية، وهي تربية الجيل القادم، فإنه يستند في ذلك إلى أن الرجل أقدر من المرأة على تحمّل أعباء الحياة ومشاقها، فهو أقوى منها جسداً وعقلاً( ).
والعقاد يعتقد بأن من الظلم للمرأة مساواتها التامة بالرجل، لأن ذلك يحملها ما لا طاقة لها به، وما لا ترجوه في قرارة نفسها، مؤكداً عدم رضاه عما ترفعه "الحركة النسائية" من شعارات المطالبة بالمساواة وحقوق الانتخاب، ويوضح موقفه بالقول: "نعم هذه هي الحقيقة التي أؤمن بها ولا يغرني فيها أن المراة اليوم أوفر علماً وألهج بكلمات الحرية والمساواة مما كانت قبل أن يخترع الرجال هاتين الكلمتين في عالم السياسة والاجتماع، فلولا الرجال الذين يروقهم أن يروا المرأة حرة طليقة تعبث بالحياء وتحطم قيود العرف والدين لما وجدت أنثى تجسر على النداء بالحرية ويطيب لها هذا النداء"( ).
ومسألة قدرات المرأة والمفاضلة بين الرجل والمرأة في القدرات العقلية والجسدية، أخذت حيزاً كبيراً من الجدل الذي دار بين مؤيدي عمل المرأة ومعارضيه( )، ليفضِ ذلك إلى اختلاف في مواقف هذه الأطراف في تحديد العمل الملائم لطبيعة المرأة، ولعل د. منصور فهمي يوضّح جانباً من هذا الجدل "الطبيعة (!) وحدها هي أعدل حكم في الأمر، ولا تعبأ بقول أحد ولا تخضع لنـزعات أحد، ولكنها تسير كل جنس بل وكل فرد في سبيله اللائق لوجوده على أحسن حال تضعه فيه قدرته في الكفاح الحيوي والحياة الاجتماعية"( ).
أما توفيق الحكيم فيرى "أن أكبر جناية يجنيها الرجل في مصر الآن على مصر وأبناء مصر هي الحدّ من حرية المرأة المصرية ، والعمل على وضعها في داخل قفص من حديد، بحجة تكريسها لحياة البيت وتربية الأولاد، إذاً ما من شيء ألزم لهذه المهمة السامية من الحرية نفسها، إذا أردنا أن لا تُنشئ المرأة جيلاً من العبيد الأذلاء مفقودي الهمة والشخصية"( ).
وفي سياق اهتمام الليبراليين بالدفاع عن حق المرأة في التعليم والعمل يأتي الحديث عن حقوقها السياسية، وعملها في المناصب السياسية، لكن الشعور العام لديهم كان بأن البيئة المصرية لم تصبح مواتية بما فيه الكفاية لجعلها مسألة محورية في الخطاب الليبرالي في قضية المرأة( ).
لقد تولت الصحافة الليبرالية مهمة الدفاع عن الحقوق السياسية للمرأة، والتثقيف في هذا المجال، ونشر الوعي حول هذه الحقوق، والإشادة بالتجارب العالمية في هذا المجال( ).
وعندما انشغلت مصر بصياغة الدستور الصادر عام 1923م، ظهرت أصوات القوى الليبرالية تطالب بمنح المرأة الحق في الانتخاب والترشيح أسوة بالرجل، لكن الدستور لم ينص على هذا الحق( ).
ومن هنا فقد أصبح من مهام الاتحاد النسائي بزعامة هدى شعراوي المطالبة بمنح المرأة حق الانتخاب أسوة بالرجل( ).
وكتبت قيادات الحركة النسائية كثيراً في الصحافة للمطالبة بهذا الحق( )، كما أن أكثر الأصوات ليبرالية بقي في دائرة المناداة بإشراكها جدياً في الشؤون الاجتماعية العامة، وإذا دعت الحال، في المسائل الاقتصادية والتشريعية والسياسية( ).
ومن الملاحظ أن مسألة الحقوق السياسية للمرأة لم تكن مسألة ملحة في هذه المرحلة، ولم تأخذ حيزاً كبيراً في الخطاب الليبرالي، إداركاً من الليبراليين وغيرهم بأن المرأة المصرية لم تتهيأ بعد لممارسة هذه الحقوق، في الوقت الذي ما زال فيه أكثر من 90% من النساء المصريات يعانين من مشكلة أمية الحرف.
3-الدعوة إلى مدنية الأحوال الشخصية:
وفقاً للمرجعية الفكرية التي يؤمن بها هذا التيار، ونزولاً عند منهجه في التقليد لكل ما هو غربي، فمن الطبيعي أن تصدر عنه أصوات منفصلة عن الواقع لتطالب بتطبيق النظام المدني في مسائل الأحوال الشخصية، كالزواج والطلاق والميراث، بمعنى العدول عن أحكام الشريعة في هذه المسائل إلى الالتزام بالقوانين الغربية، وتحرير شؤون الزواج من هيمنة الشرع ومحاكمه ورجاله.
وهذه الدعوة لم يعرفها الفكر المصري إلا في هذه المرحلة التي ندرسها، فلم يتحدث أي من مفكري القرن التاسع عشر، ومطلع القرن العشرين، عن هذه الخطوة التغريبية المتطرفة( ).
كان د. محمود عزمي من أوائل الذين نادوا بفكرة الزواج المدني في مصر، وبما في ذلك منع التعدد، ومنع الطلاق، وإباحة زواج المسلمة بغير المسلم، وأن لا يكون الدين عائقاً أمام الرغبة في الزواج بين رجل وامرأة، ففي عام 1918م وخلال المداولات لتأسيس الحزب الديمقراطي المصري، طالب بتوحيد التشريعات المصرية، وبما يشمل قانون الأحوال الشخصية "بمعنى أن يكون للمصريين كلهم أحكام زواج وطلاق واحدة.. وبمعنى أنه إذا رغبت مسلمة ولتكن إحدى أخواتنا مثلاً أن تتزوج من قبطي.. فلا يكون هناك مانع ولا اعتراض"( )!!
وحبّذت الصحافة الليبرالية فكرة "القانون المدني" المراعي للحرية التامة، الذي هو اتجاه الثقافة الحاضرة في أوروبا ونحو الحرية، ويذكر "محرر الهلال" مقولة يتبناها –في الدعوة إلى الإباحية المبطنة- لكاتبة أمريكية مشهورة "إلين كي" تقول: "إن الحب بلا زواج لا يخالف الآداب، ولكن الزواج بلا حب هو الذي يُخالف الآداب"( ).
وتبدي القوى الليبرالية إعجاباً بتطبيق تركيا لقانون الزواج المدني اعتباراً من الرابع من تشرين أول 1926م، وتنشر "السياسة" نصوص القانون المدني التركي، وتعلّق عليه مبدية إعجابها بما حققه من مساواة بين الرجل والمرأة في كل شيء، وتعده انقلاباً كبيراً إذا أحسنت المرأة التركية الاستفادة من الحقوق التي تضمّنها لها( )، وتحدث ليبراليون عن "ألشريعة الكمالية" التي حرّرت المرأة التركية( )، بل إن "السياسة الأسبوعية" جعلت من تطبيق القانون المدني في الأحوال الشخصية معياراً للتمييز بين دول متقدمة وأخرى متخلفة، أو بين شرق وغرب( )، واقترح بعضهم إعطاء المواطن حرية الاحتكام إلى القانون المدني للأحوال الشخصية أو الذهاب إلى المحاكم الدينية، وأن يُنـزع أمر الزواج من قبضة رجال الدين على كل الأحوال( ).
وتكتب إحدى المجلات المعبّرة عن آراء التيار الليبرالي، منادية بالزواج المدني، وبأن يحتفظ كل من الزوجين بديانته، على أن يترك للأولاد اختيار الديانة التي تروق لكل منهم عند بلوغهم سن الرشد، "وعلى هذا تجمع بين الأولاد صلات الدم والوطنية والتربية المشتركة، ويعتبر الدين من المسائل الوجدانية البحتة التي تربط بين الإنسان والله سبحانه وتعالى"( ).
وهذا الجنوح الخيالي المفرط في الانفصال عن الواقع المصري يقود الكاتب الذي لا يجرؤ على ذكر اسمه، إلى القول بأنه "إذا كان في هذا الحل ما يخالف التقليد الإسلامي، فما هو بأول مخالفة احتملتها سماحة الإسلام ومرونته الاجتماعية، كما احتملتها أديان أخرى لا ترضى عن الزواج المختلط، وهي أهون ألف مرة من احتمال التصريح الرسمي بالمواخير والحانات والربا في بلاد إسلامية، والزواج المدني على كل حال قانون اجتماعي لا غنى عنه في أية أمة عصرية"( )!!
وعندما كان العمل جارياً لإعداد قانون الأحوال الشخصية الصادر عام 1929م، طالب الاتحاد النسائي المصري في مذكرة مقدمة لرئيس الوزراء وزير الحقّانية ورئيس مجلس الشيوخ ورئيس مجلس النواب بتاريخ الحادي والعشرين من تشرين ثاني 1926م بصون المرأة من الظلم الواقع عليها من تعدد الزوجات بدون مبرر، ومن الإسراع في الطلاق بدون سبب جوهري، وهكذا فالاتحاد لا يطالب بالمنع ولكن يرمي إلى مزيد من القيود في شؤون التعدد والطلاق( ).
وحشد التيار الليبرالي كل ما لديه من قوى للدفع باتجاه تضمين قانون الأحوال الشخصية الجديد ما يمنع تعدد الزوجات.
وراحت الصحافة الليبرالية تخوض حرباً إعلامية لصنع رأي عام مؤيد لهذا المطلب، فهذه "السياسة الأسبوعية" تستعين بآراء اللورد كرومر، فتعود لنشر مقتطفات من كتابه "مصر الحديثة" للتدليل على عدم ملاءمة "التعدد" لروح العصر، ولتنفير المصريين منه، على اعتبار أن اللورد رأى بأن ما يحتاجه الرجل المصري من "احترام الذات" لن يتحقق إلا إذا "صار مثل الأوروبي متزوجاً من امرأة واحدة"( )، وظل التيار الليبرالي يدعو إلى تقييد أو منع تعدد الزوجات( ).
وكما في مسألة "تعدد الزوجات" فإن الصوت الغالب في التيار الليبرالي ظل يتابع قاسم أمين في موقفه الداعي لحصر الطلاق بموافقة القاضي أو المأذون، ومنح المرأة الحق في تطليق نفسها( )، فقد تبنى التيار الليبرالي هذه الرؤية، وجعلها الاتحاد النسائي المصري جزءاً من برنامجه الصادر عام 1923م( ).
وعبّرت الصحافة الليبرالية عن مساندتها لهذه الرؤية، وقدَّمت جريدة "كوكب الشرق" الوفدية جهداً واضحاً في هذا الإطار( ).
لكن التيار الليبرالي لم يخلُ من الأصوات المتطرفة أكثر التي عرفنا مناداتها بالقانون المدني للأحوال الشخصية، والتي طالبت بمنع الطلاق نهائياً( ).
وعلى صعيد متصل فإن التيار الليبرالي كان يسعى لمواجهة المشكلات المتعلقة بمسائل الزواج، وفقاً لمرجعيته الخاصة به، فعندما يواجه المجتمع المصري ما سُمي "أزمة الزواج" الناجمة عن إقبال الشباب المصري على الزواج من الأجنبيات، فإن الليبراليين يقدّمون الحل وفقاً لمرجعيتهم، وهو ضرورة إباحة الاختلاط ليحصل التعارف ثم الحب ثم الزواج بين المصري والمصرية، فالمشكل "إنما يرجع إلى عدم اختلاط الجنسين اختلاطاً يهيئ للطرفين منهما فرص التعارف، وفرصة التواد والحب"( )!!
أما بخصوص مساواة المرأة مع الرجل في الميراث، فإن الحديث حولها كان يأتي في إطار مدنية الأحوال الشخصية، ولما تصدّى سلامة موسى –وهو من أبرز دعاة التغريب في مصر وأكثرهم تطرفاً- للمناداة بالمساواة بين الرجل والمرأة في الميراث، سارعت بعض الأوساط الليبرالية للترحيب بهذه الدعوة، وكانت السياسة الأسبوعية أول صحيفة تروج لها( ).
لكن التيار الليبرالي لم يُجمع حول هذه الفكرة بل وجدت الفكرة من يقاومها ويقلل من شأنها( ).
فقد انتقد د. منصور فهمي ما لجأ إليه سلامة موسى من تضخيم للمسألة وجعلها أساس التقدم وبناء الحضارة، وطالب بوضع المسألة في مكانها، وإعطائها حجمها الصحيح، مؤكداً أنه لا بد من الانتباه إلى اختلاف أنظمة الثوريث في العالم، رافضاً هذه الدعوة، ومعترضاً على اتخاذ نظام التوريث الغربي معياراً للعدالة( ).
كما رفضت هدى شعراوي تبني هذه الدعوة من قبل الاتحاد النسائي، عندما اقترح عليها سلامة موسى جعلها أحد مطالب الحركة النسائية، وعلّلت موقفها هذا بقولها: "ولست أعتقد مثله أن على الحركة النسائية في مصر، بسبب من تأثرها بالحركة النسائية في أوروبا، أن تتابعها في كل مظهر من مظاهر تطورها، فلكل بلد تشريعه وتقاليده الخاصة به، وما قد يلائم هذا البلد لا يلائم بالضرورة بلداناً أخرى( )، وتشير إلى مسألة هامة، لم يتوقف الكثيرون عندها في خضم الالتفات للجدل النظري فقط، وهي أن المشكلة الحقيقية – كما تزعم - ليست في مقدار ما منحه الشرع للمرأة من حق في الميراث، بل إن المشكلة تكمن في عدم التزام المجتمع في منحها هذا الحق الشرعي( )!!
العدالة الاجتماعية( )
انشغل التيار الليبرالي بالمفاوضات مع الإنجليز، ومقارعة القصر، والصراع الحزبي، كما اهتم بالتركيز على الحريات السياسية لخدمة الأغراض الحزبية، فأهمل الاشتغال بمعالجة الهموم الاجتماعية الحقيقية، كالفقر والبطالة ومشاكل الفلاحين والعمال والفئات الفقيرة أو المسحوقة، وعدّها الليبراليون هموماً مؤجلة لحين تحقيق الإصلاح السياسي( ).
وتوقف التيار الليبرالي المصري عند المفهوم الكلاسيكي الليبرالية، الذي يحصر دور الدولة في أضيق نطاق، ويؤمن بمبادئ الاقتصاد الحر القائم على إطلاق حرية السوق والمنافسة، والعمل، والملكية الخاصة، واحترام الاختلافات الفطرية بين الناس، فكل فرد يأخذ فرصته لكن وفقاً للإمكانيات المختلفة عند الأفراد، من مهارة وبراعة وحُسن توقّع، أو بُعد نظر، وبذلك فإن الليبرالية الكلاسيكية تُبرز عدم المساواة وتؤمن بضرورتها، ولا تسعى إلى إزالتها بل للتخفيف –في أحسن الأحوال- من نتائجها وانعكاساتها( ).
ولم تأبه الليبرالية المصرية بما طرأ على الليبرالية الغربية من تحولات بالاتجاه نحو ليبرالية الرفاه، أو الليبرالية الاجتماعية( ).
ولم تقدم برامج الأحزاب الليبرالية أية معالجات جادة لتحقيق شيء من العدالة الاجتماعية، لمجتمع يئن تحت وطأت مشكلات اجتماعية واقتصادية معقدة.
فالحزب الديمقراطي المصري يتحدث عن تعليم ابتدائي إجباري مجاني، وعن ترقية للطبقات العاملة، وإغاثة غير القادرين على العمل( )، أما حزب الوفد فلم يُقدم أي برنامج محدد، على اعتبار أنه ليس مجرد حزب، بل هو ممثل الأمة كلها، لكنه كان يقف موقفاً رافضاً للاشتراكية.
كما أنه رفض أي حديث عن توزيع الثروة أو الإصلاح الزراعي، كما كان موقفه من مشاكل العمال ليبرالياً إلى أبعد الحدود، برغم ما أبداه من رغبة في السيطرة على الحركة العمالية، لإقصاء الشيوعيين والإسلاميين عن هذه الساحة، كما رفض فكرة تأسيس حزب للفلاحين أو للعمال( ).
لكن الوفد –وتحت ضغط الواقع- أخذ يُبدي اهتماماً بالشؤون الاجتماعية منذ مؤتمره العام الأول الذي انعقد في يناير (كانون ثاني) 1935م، فقد قُدّمت فيه مجموعة أوراق ذات مضامين اجتماعية تؤشّر على اهتمامات اجتماعية واضحة، وعرف الوفد نمواً للتيار الاجتماعي في داخله، ليتبلور بعد الحرب العالمية الثانية ما سُمي "الطليعة الوفدية"، وهي تحاول إضفاء مسوح اشتراكية على البرنامج الاجتماعي للوفد( ).
وتحدث برنامج حزب الأحرار الدستوريين الصادر في تشرين أول 1922م، عن دعم الحزب للتعليم الأولي الإجباري والمجاني، وتحسين الحالة الصحية، والضرائب العادلة، وترقية الزراعة، والسعي إلى تخلي الحكومة عما تحت يدها من الأطيان، ودعم التعاون، وتنظيم العلاقات بين العمال وأصحاب العمل "على قاعدة العدل اتقاءً للأمراض الاجتماعية الناشئة من تحكم أحد الفريقين"( ).
آمن الليبراليون بأن التفاوت الاجتماعي أمر طبيعي ومن طبائع الحياة، ولا يمكن إلغاؤه، فهو الأصل، وهو مفيد لانتظام الحياة البشرية، واهتمت الصحافة الليبرالية بالترويج لهذه الفكرة في سياق مواجهة الفكر الاشتراكي، وفي كثير من الأحيان تعمد إلى نشر هذه الأفكار (بدون توقيع)، لكونها تصادم مشاعر عامة المصريين الذين يعانون أوضاعاً اقتصادية واجتماعية صعبة، ويتطلعون إلى شيء من العدل والإنصاف، فهذه "الهلال" تنشر مقالاً (بدون توقيع) يقول كاتبه: "وفي الواقع إن التفاوت بين أفراد الناس وطبقاتهم، قد فرض عليهم فرضاً، وهو لخيرهم ومصلحتهم بوجه الإجمال، وإن لم يكن في مصلحة بعض الأفراد"( )، ويخلص إلى التبشير بفشل الفكرة الاشتراكية المنادية بالمساواة، ويؤكد "أن ضمان المساواة بين طبقات البشر ضرب من المحال، فضلاً عن كونه لا يتفق مع مصلحة الاجتماع"( ).
وتعود "الهلال" عبر كاتبها المجهول للتأكيد على نفس المعاني، ولتبرير شريعة الغاب في الحياة الاجتماعية، أو لما أسماه البعض "الليبرالية المتوحشة"، وبأبشع صورها، منطلقاً من نظرية "تنازع البقاء"، وأن البقاء للإصلاح "وأن الأفراد غير متساوين في صلاحهم للبقاء، لأن بعضهم ضعفاء غير نافعين للاجتماع –وهؤلاء يجب أن ينقرضوا ويُفسحوا في المجال لغيرهم !! - والبعض أقوياء نافعون فيجب أن نطلق لهم الحرية، ليفتكوا بمن هم أضعف منهم من أفراد نوعهم أو من أفراد أي نوع آخر"( ).
لكن د. محمد حسين هيكل تصدى لهذه الأفكار، بتركيزه على رفض "المادية" المستقاة من حضارة الغرب، التي أسماها "حضارة المال والاستعمار في سبيل المال"، لذلك فلا يمكن أن يُرتجى منها أن تعاون على تحقيق البر والرحمة، أو أن تخفف من ويلات من تقسو الأقدار عليهم، بل هي على العكس ترى هؤلاء الذين قست عليهم الأقدار غير صالحين للبقاء، وتقضي عليهم لذلك بأن يفنوا تحت عبء أرزائهم وهمومهم"( )، وهو يعرّض بدعاة الدارونية، وأفكارها التي استغلت لتبرير "الليبرالية المتوحشة"( )، أو الرأسمالية في أبشع صورها، والبديل هو حضارة الإسلام، وما يدعو إليه الإسلام من البر والتقوى، وما يفرضه على الناس من الزكاة والصدقة، وما يوصي باليتيم والبائس، والمحروم( ).
واهتمت الصحافة الليبرالية بالتنبيه إلى ظاهرة الفقر التي تجتاح مصر، وإلى مخاطرها. وقدمت رؤيتها للعلاج ضمن المفاهيم الليبرالية( )، التي تتحدث عن ضرورة تطوير الفقير لقدراته، وتغيير قيمه وسلوكه، مع التأكيد على أن مصر فقيرة بقدراتها.
وأن المشكلة ليست في سوء توزيع الثروة، بل هي في قلّة الإنتاج. "إن الداء ليس في التوزيع، بل إنه نشأ عن النقص الأساسي في الاقتصاد الوطني"( ).
وفي المسائل المتصلة بالعمل والعمال، كان الفكر الليبرالي يؤمن بأن العمل هو سلعة لها ثمن يحدده صاحب العمل، بحسب التعاقد بينه وبين العامل، ووفقاً لقاعدة "العقد شريعة المتعاقدين"( )، وبطبيعة الحال فإن الموقف الليبرالي ميَّال بطبعه لجانب صاحب رأس المال( )، أما التعاطف مع العامل فينحصر في الاعتراف بحقه بتوفر شروط العمل الصحية، ومنحه الأجر المناسب، وساعات العمل المناسبة( ).
أما تدخل الدولة في حل هذه المشكلات، ومنها –مثلاً- مشكلة البطالة، فهذا مرفوض وفقاً للمنطق الليبرالي !! فنجد أحمد لطفي السيد، يرفض تدخل الدولة بالتشريع لحل أزمة البطالة بين المتعلمين، ويقول: "وأنا لا أنظر بعين الارتياح إلى تدخل الحكومة إذ أنني أرى أن التشريع فيما لا تقضي به الضرورة القصوى تُشتم منه رائحة الاشتراكية، ويكون من الخير أن يترك ميدان الأعمال العامة بين المتعلمين لتختار الحياة الاجتماعية الأصلح منهم بعد التنافس"( ).
وإيماناً منه بأن مذهب "اللبراليزم" الذي يؤمن به "يحدُّ حرية الحكومة لا في التشريع فحسب بل في المداخلة في الأعمال العامة، هذا المذهب قد يقتضي مثاله الأعلى أن تقتصر الحكومة على مرافق ثلاثة من مرافق البلاد:
1- الدفاع عن البلاد في الخارج بالجيش.
2- القيام على الأمن العام بالشرطة.
3- وإقامة العدل بين الناس بالقضاء.
وما عدا ذلك من مرافق الدولة كالتعليم العام، والصحة العامة والأشغال "العمومية"، كل ذلك ينبغي أن يكون من عمل الأفراد والشركات والجمعيات الحرة. " وكنت أعتبر ولا أزال، أن تدخل الحكومة فيه، سببه الضرورة ، أي عدم وجود من يقوم به"( ).
وعندما طالب أحدهم على صفحات "الأهرام" بضرورة أن تتصدى الحكومة للقيام بواجباتها، فتلتزم بتوفير عمل لكل فرد، باعتبار أنه شكل من أشكال التضامن، وأن عليها أن توزع كمية العمل الموجودة فعلاً على جميع الأفراد، فلا يُحرم بعضهم من العمل لكي يظفر آخرون بنصيب الأسد، وأنه من واجبها أن تنشئ وظائف جديدة تمنح مرتباتها من المال المتوفر بعد تخفيض المرتبات الكبيرة، وإلزام أصحاب الأعمال بزيادة عدد عمالهم. نجد "الأهرام" تعلّق على هذه الاقتراحات للتخفيف من مشكلة البطالة، بالقول: "إن تقرير هذه القواعد معناه قلب المبادئ الاقتصادية كما وضعها آدم سميث.. ومن تابعهم من علماء المدرسة الكلاسيكية في القرن الثامن عشر ، وأساسها الحرية الاقتصادية والمنافسة التي لا يحدها حدّ.. وقد أعطت نظرية الحرية الاقتصادية العالم نهضة عظيمة ورخاء مادياً كبيراً، ولكن بينما منحتنا نظرية الحرية الاقتصادية هذا كله –وهو فضل عظيم لا ينبغي أن نجحده- اقتضتنا تضحيات كبيرة كان بعضها هؤلاء العمال كانت التضحية ضرورية في سبيل تقدم البشرية، تحمّلها الضعيف، وتلك هي السنة الخالدة.. ولكن ينبغي ألا نبالغ في الغض من النشاط الفردي وتقييد حريته فكل تدخل من الدولة مكروه، ولذلك يجب أن يقتصر بقدر الإمكان على ما يكفل منع الشرور الواضحة وتخليص الحضارة التي نعيشها من القسوة التي تُفسد جمالها وتجعلها تبدو وكأن لا قلب لها"( ).
وعندما طرح البعض –ومنهم أحمد لطفي السيد رئيس الجماعة آنذاك- تقليص التعليم العالي لحل أزمة البطالة( )، وأيد البعض هذا الاقتراح من باب أن التعليم العالي يُفسد الفلاح، ويفصله عن العمل في الأرض( )، نجد أن د. طه حسين، يعترض على هذا الاقتراح، ويؤكد أنه "لن تعالج البطالة بإكراه الشعب على الجهل، وإنما تُعالج بفتح أبواب التعليم على مصاريعها، وبالإسراع في ذلك حتى يرشد الشعب"( )، وفي المقابل نادى بضرورة تعميم التعليم الأولي من سن السابعة إلى الثامنة عشرة، على اعتبار أن ذلك يأتي في إطار حق المصريين جميعاً في الحصول على التعليم العام( )، وساندته ميّ زيادة في موقفه هذا، ورفضت تقليص التعليم الجامعي، وطالبت بإطلاقه أمام الجميع( ).
وانتقد محمد زكي عبدالقادر الطبقية في مصر، والضرائب الموجهة لمصلحة الأغنياء، متهماً بأن سياسة الضرائب والتسويات تنتهي إلى تركيز الثروة في طبقة معينة، كما أن سياسات التوظيف تنتهي إلى تركيز الجاه والنفوذ في الطبقة نفسها( ).
أما فيما يخص الفلاح ومشاكله، فقد تكلف الليبراليون التعاطف مع معاناته من الفقر والمرض والجهل( )، وقدموا حديثاً عاطفياً عن الفلاح وأهميته، ودوره في الإنتاج، وعن ضرورة تهيئة أسباب الحياة الإنسانية له( )، ولم يكن هذا الاهتمام بعيداً عن الغرض السياسي، فعندما يكون الحزب خارج السلطة، تبدي صحافته اهتماماً مفاجئاً ومبالغاً فيه بهموم الفقراء والفلاحين والعمال، ومعاناة الشعب، لمجرد إحراج الحزب الجالس في مقاعد الوزارة( ) !!
ولم تكن المصالح الشخصية بعيدة عن الوقوف وراء تسليط الأضواء على هذه القضية، أو إهمال تلك والتعتيم عليها، وهناك اتهام دائم للفلاح بسوء التدبير وعدم القدرة على ضبط نفقاته، وهذا –في نظرهم- هو سبب فقره، وعجزه عن سداد ديونه( ).
وهناك إصرار على عدم الاستماع لأي صوت يتحدث عن تحديد الملكية العقارية، ففي العُرف الليبرالي لا مجال لهذه الفكرة في بلاد ديمقراطية تحترم حرية الفرد، ومجال نشاطه وتفكيره، وثمرات جدّه كمصر!! ( ).
وتحدثت أصوات ليبرالية عن تحسين أحوال الفلاح بتيسير أسباب المعيشة العامة (رفع مستوى معيشته)، وإصلاح نظام الضرائب ليصبح تصاعدياً، بزيادتها على الأغنياء، وتخفيفها على الفقراء، وتوفير الأمن في الريف والحد من الجرائم، وجرى تبرير الدعوة إلى توفير الأمن، لأن ذلك سيسمح للفلاح ببناء بيت ذي نوافذ، ولأن يأمن على ما لديه من دواب فلا ينام وإياها في نفس المكان لحمايتها، ولأهل القرية ببناء منازل متباعدة! والدعوة إلى العناية بالصحة العامة، وفرض التعليم الإجباري ومحاربة الأمية، وتطوير الصناعة المصرية ودعمها( ).
إن هذا البرنامج الواقعي للإصلاح في الريف، يشير إلى حجم معاناة الفلاح، وحقيقة ما يعانيه من مشكلات، كانت النخب الفكرية والسياسية تحلّق عالياً وبعيداً عنها.
والدكتور هيكل في "حديث اليوم" الذي يفتتح به أعداد "السياسة" يحذر من مغبة تسرب الشيوعية إلى الريف وبين الفلاحين "أكثر طوائف هذه الأمة سكينة وأبعدهم عن هذه الأفكار الشيوعية التي لم تعرف لها منبتاً في غير البلاد الصناعية.. فلو أن بيئة تأبى الشيوعية بطبعها فتلك هي البيئة المصرية، وحياتنا الاقتصادية القائم أساسها إلى اليوم على الملكية الزراعية، لا يمكن أن تقبل هذه المبادئ الضارة.. فليست طوائفنا العاملة في الأرياف، متأثرة بالهوس الاجتماعي الذي تتأثر به بعض بيئات العمال في أوروبا، وهي في إيمانها بأن الله يرزق من يشاء بغير حساب، ترى في هؤلاء الدعاة الشيوعيين أكثر من ثائر على الدين، وعلى الحكومة، وأكثر من مخادعين يريدون من دعوتهم تسخير هذه الطوائف الآمنة الوادعة لمصالحهم الخاصة، وهي على أتم الاستعداد لأن تعاون الحكومة في تعقب هؤلاء الخوارج الذين يريدون أن يفسدوا نظاماً قائماً على الحق والشرع"( ) !!
وه